تخيّل عالمًا يمتلك فيه الجميع حسابات مصرفية، بغض النظر عن مستوى دخلهم، أو حالتهم الاجتماعية، أو موقعهم الجغرافي. سيمتلكون بطاقات مدين، وبطاقات ائتمان، وحسابات توفير، وتأمين، كما سيتمتعون بإمكانية الوصول إلى جميع المنتجات والخدمات المالية التي يحتاجونها.
ويعتبر هذا العالم عالمًا تبلغ فيه نسبة الشمول المالي 100%.
أما الآن، فبفضل التكنولوجيات المصرفية المتطورة المتوفرة لدينا، أصبحنا قريبين جدًّا من جعل هذا العالم حقيقتنا، إذ تعمل البنوك وشركات التكنولوجيا المالية على نشر عدد من الأدوات الرقمية، كالذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وغيرها بهدف إتاحة منتجاتهم وخدماتهم بشكل مبسط ولقاعدة أكثر اتساعًا من المستفيدين.
لكن توجد مقاربة واحدة تتميز عن المقاربات الأخرى جميعها -يمكن أن نسميها أداة، أو تكنولوجيا، أو حتى أسلوبًا جديدًا في مجال الخدمات المصرفية- وهي تعتبر أحد أكثر محركات الشمول المالي فاعلية.
وهذه المقاربة هي الخدمات المصرفية المفتوحة من دون أدنى شك!
الخدمات المصرفية المفتوحة تعني السماح للبنوك حول العالم بترسيخ قوة البيانات بشكل فعلي من أجل ابتكار المنتجات المالية المصممة خصيصًا للأفراد، التي تشرك فئات السكان الذين لا يستفيدون من الخدمات المصرفية وأولئك الذين لا يتمتعون سوى بالحد الأدنى من الاستفادة، في النظام البيئي المالي. وهناك في القمة، تجدون شركات التكنولوجيا المالية، جنبًا إلى جنب مع الفاعلين المؤسسيين الذين يعتمدون الخدمات المصرفية المفتوحة لتسريع الشمول المالي.
ولكن قبل الغوص عميقًا في الخدمات المصرفية المفتوحة لنعرف كيف أصبحت تغير قواعد اللعبة، فلننظر إلى المسار الذي اجتزناه نحو الشمول المالي في السنوات الأخيرة الماضية، وكم تبقى لنا لنصل إلى أهدافنا...
إلام تشير البيانات؟
استنادًا إلى البنك الدولي، ما يقارب 1.4 مليار شخصٍ راشدٍ حول العالم لا يمتلكون إمكانية الوصول إلى حسابات مصرفية أساسية حاليًّا، وهم بالتالي لا يستطيعون الاستفادة من الخدمات المالية الأخرى كبطاقات الدفع، والائتمان، والتأمين، وغيرها.
تعمل البنوك، وشركات التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى المنظمين حول العالم على سد هذه الفجوة ورفع نسبة الشمول المالي.
وقد قطعت الدول النامية مسافة طويلة للوصول إلى هذا الهدف في السنوات الأخيرة، لكن الأسواق الناشئة بدأت تلحق بها. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط، أصبح الشمول المالي يطال غالبية الناس. وقد أظهرت بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي للعام [1]2021، الصادر عن البنك الدولي أن ملكية الحسابات في المنطقة لصالح الأفراد الذين يبلغون من العمر 15 عامًا فما فوق نسبتها مستقرة عند 52.8%. كما أن 52.4% منهم قد اقترضوا الأموال بشكل من الأشكال، و15.3% حصلوا على الائتمان من مؤسسة مالية رسمية أو من خلال الحسابات المالية على الهاتف المحمول.
وقد شهدت دول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد قفزة كبيرة في مجال الشمول المالي على مدى السنوات القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، يظهر بنك البيانات للشمول المالي العالمي أن 85.7% من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا وما فوق الموجودين في الإمارات العربية المتحدة و74.3% من المتواجدين في المملكة العربية السعودية يمتلكون حسابًا بنكيًّا ويشغلونه، كما أصبحت إمكانية الوصول إلى الائتمان الرسمي أكثر سهولة في هذه البلدان. وعلى سبيل المثال أيضًا، 23.9% و32.4% من الشريحة السكانية لمن تتجاوز أعمارهم 15 عامًا قد اقترضوا مبالغ من مؤسسات مالية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على التوالي.
ووفق ما يظهر، فإن هذه الأرقام تظهر النمو الذي سُجّل في هذه المنطقة في مجال تحسين المنتجات والخدمات المالية. صحيح أن الأهداف لم تتحقق بعد، إلا أن آفاق الشمول المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبدو واعدةً مع اكتساب الخدمات المصرفية المفتوحة زخمًا في الأسواق الرئيسية، بما فيها المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الدول التي تتقدم سريعًا في هذا المجال.
الخدمات المصرفية المفتوحة تغير قواعد اللعبة في أربع مقاربات مختلفة
يمكن أن تكون الخدمات المصرفية المفتوحة فاعلًا تغييريًّا قويًّا في الصراع من أجل تحقيق الشمول المالي، لسبب واحدٍ بسيطٍ فقط: إنها تعمل جذريًّا على تسهيل عملية مشاركة البيانات الخاصة بالعملاء واستخدامها بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية. وكما نعرف جميعًا، البيانات لا تقدّر بثمن!
كما أن واجهات برمجة التطبيقات للخدمات المصرفية المفتوحة أتاحت للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية القدرة على تبسيط المسار الذي يسلكه العملاء، وتوفير منتجات مصممة خصيصًا لتلبية احتياجاتهم. نذكر لكم أربعة من المقاربات التي تسهم من خلالها الخدمات المصرفية المفتوحة في تسهيل إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية وتوسيع قاعدة المستفيدين منها:
- ما قبل الخدمات المصرفية المفتوحة: عمليات مستندة إلى الوثائق
يعتبر العملاء أن افتتاح حساب مصرفي يتطلب التحقق من بيانات "اعرف عميلك" و"مكافحة غسل الأموال"، واستخدامها كدليل على الهوية، والدخل، والإقامة، وغيرها من الأمور. كما أن العملاء كانوا يضطرون إلى إصدار هذه الوثائق، وتسليمها بشكل يدوي إلى البنوك الخاصة بهم في مرحلة ما قبل الخدمات المصرفية المفتوحة. لذلك فإن أولئك الذي لم يمتلكوا الأوراق اللازمة، أو الذين لم يرغبوا في تحمل المتاعب لتحصيل هذه الوثائق لم يتمكنوا من الاستفادة من الخدمات المالية.
ما بعد الخدمات المصرفية المفتوحة: التحقق من الحسابات بشكل مبسط
تودّع البنوك اليوم الوثائق الورقية التي تستلزم الجمع اليدوي، وذلك بفضل الخدمات المصرفية المفتوحة. وهي، بدلًا عن ذلك، تستخدم بيانات "اعرف عميلك" التي تحصل عليها من مصادر متعددة، كالبنوك، وبيانات الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحفظات الهواتف المحمولة من أجل تبسيط عملية إطلاع العميل على هذه الخدمات. وهذا يعني وجود أكثر من مصدر واحد يسهم في التحقق من دخل العميل، وتاريخه المالي، والتصنيفات الائتمانية. يمكن الآن إتمام عملية إطلاع العملاء في غضون دقائق.
- ما قبل الخدمات المصرفية المفتوحة: نقص في بيانات العملاء
قبل أن تمنح البنوك الموافقة للحصول على الخدمات المالية، تحتاج للاطلاع على بيانات مرتبطة بالعميل من أجل تقييم هامش المخاطر الخاص به. فلنأخذ الإقراض الائتماني مثالًا، إذ يتوجب أن يطّلع البنك على التاريخ الائتماني للشخص قبل منحه قرضًا، بالإضافة إلى سلوك الإنفاق، ونمط الدخل، والسلوك الوظيفي الخاص به، وغيرها من المعلومات. ففي الوقت الذي لم يكن يجري فيه العمل بالخدمات المصرفية المفتوحة، كان جمع هذه البيانات كلها عملية متعبة وتعتمد على التوثيق اليدوي. والأهم من ذلك كله، أنها كانت تستلزم امتلاك العميل لتاريخ مصرفي سابق، ولذلك لم يكن الأشخاص الذي لا يمتلكون حسابًا مصرفيًّا يتمكنون من الاقتراض من البنك فعلًا.
ما بعد الخدمات المصرفية المفتوحة: أكوام من البيانات لخدمة الإقراض الاستهلاكي
بعد توفر الخدمات المصرفية المفتوحة، لم تعد البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بحاجة إلى الاطّلاع على التاريخ الائتماني النموذجي للعميل من أجل التوصل إلى قرار الإقراض، إذ إنها اليوم تستخدم البيانات المالية البديلة، كدفع الفواتير، والإيجارات، وتعبئة رصيد الهاتف المحمول، وغيرها من الدفعات، التي تستطيع الوصول إليها من خلال واجهات برمجة التطبيقات للخدمات المصرفية المفتوحة، وذلك بهدف تسريع عملية معالجة طلبات القروض. أصبحت العمليات المرتبطة بتقييم مخاطر الائتمان، كالتحقق من الدخل، مبسطةً أكثر فأكثر، وفي حال جرى استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح، يمكن اتخاذ قرارات الإقراض في غضون دقائق.
لا يقتصر الأمر على هذا فقط! إذ إن الخدمات المصرفية المفتوحة تسمح للأشخاص الذين لا يستفيدون من الخدمات المصرفية في بناء ملفٍ ماليٍّ وسجلٍّ للمعاملات بمزيد من السهولة من خلال إتاحة مشاركة البيانات، وإجراء المعاملات الرقمية المراعية للكلفة. وحتى إن كان نشاط العملاء مقسمًا في أماكن مختلفة من النظام البيئي المالي، تستطيع البنوك استخدام واجهات برمجة التطبيقات للخدمات المصرفية المفتوحة من أجل الوصول إلى البيانات كلها بشكل فوري، ومنح الائتمان بأقل معدلات من الفائدة!
- ما قبل الخدمات المصرفية المفتوحة: عروض محدودة من المنتجات
غالبية المنتجات والخدمات المالية التقليدية مصممة خصيصًا لتناسب مجموعة محددة من العملاء فقط، ولم تكن مرنة بقدر ما هي عليه اليوم، كما لم تعر أهمية للتباينات المرتبطة بسلوك الإنفاق، وعادات وضع الميزانيات، واحتياجات التدفق النقدي، وغيرها، وبالتالي فإن العملاء الذين يتناسبون مع الملفات الهدف هم فقط من يستطيعون الحصول على المنتجات والخدمات الأساسية.
ما بعد الخدمات المصرفية المفتوحة: المنتجات والخدمات المصممة خصيصًا لتناسب احتياجات العملاء
أفضل ما تقدمه الخدمات المصرفية المفتوحة هو مساعدة البنوك وشركات التكنولوجيا المالية في تنظيم بيانات إنفاق العملاء وإثرائها، وتحويل هذه البيانات إلى رؤى سلوكية قابلة للتنفيذ. وتستطيع أيضًا استخدام هذه الرؤى لابتكار منتجات وخدمات مرنة ومصممة خصيصًا لتناسب الاحتياجات المحددة لكل عميل بنفسه. ومع ارتفاع عدد الأشخاص الذين ينخرطون في النظام البيئي المالي، تصبح العروض أكثر تنوعًا وتخصيصًا، والأهم من ذلك كله أنها تصبح أكثر شمولًا.
- ما قبل الخدمات المصرفية المفتوحة: نقص الدراية المالية
إذا ما نظرنا إلى الشمول المالي بعيون العميل، نجد عقبة رئيسية واحدة -نقص المعلومات والدراية بشأن مختلف المنتجات والخدمات المالية المتوفرة. لا يعرف الجميع كيف يشغّلون حسابات بنكيّة، أو كيف يستخدمون بطاقات الائتمان بالشكل المناسب، أو كيف يدخرون الأموال بفاعلية، أو كيف يقدمون طلبات للقروض. وهم يمتنعون عن محاولة الوصول إلى المنتجات والخدمات المالية الأساسية، وعن استخدامها بشكل معتاد نتيجة التعقيدات التي تنضوي عليها هذه العمليات.
ما بعد الخدمات المصرفية المفتوحة: تحسين الصحة المالية والتشجيع على محو الأمية المالية
أصبح بإمكان البنوك وشركات التكنولوجيا المالية مساعدة الأعمال والأفراد على التحكم بشؤونهم المالية بشكل أفضل، وذلك بفضل الخدمات المصرفية المفتوحة. كما أنهم يستطيعون بذلك الاطلاع على كيفية استخدام المنتجات والخدمات الجديدة بما فيه فائدة لهم، ويصبحون في نهاية المطاف عملاء ماليون مستنيرون قادرون على اختيار المنتجات التي تناسب احتياجاتهم الخاصة.
دعم المشروعات متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، والأفراد
لا يعتبر الأفراد وحدهم من يستفيدون من الخدمات المصرفية المفتوحة، فالرؤى التي تدعم الخدمات المصرفية المفتوحة تساهم أيضًا في المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لاكتساب فهم أكثر وضوحًا لشؤونها المالية، وتتبع التدفقات النقدية، وأتمتة الدفعات. كما أن تجميع الحسابات، وخدمات بدء الدفع التي توفرها الخدمات المصرفية المفتوحة تمهد الطريق أمام الأعمال لاتخاذ قرارات مستنيرة، وخفض تكاليف إدارة النقد، بالإضافة إلى تمكنها من الحصول على رأس المال بسهولة أكبر، وذلك لأن الخدمات المصرفية المفتوحة ألغت الحاجة إلى الأعمال الورقية المرهقة التي تؤهلها للحصول على القروض.
يمكننا أن نطبّق حالات استخدام الخدمات المصرفية المفتوحة على الأفراد أيضًا. فلنأخذ مثالًا أدوات الإدارة المالية الشخصية المستندة إلى الخدمات المصرفية المفتوحة، فإنها تساعد الناس على إدارة دخلهم بأفضل شكل ممكن، والتخطيط للإنفاق، وتتبعه بحكمة، كما أنها تعزز محو الأمية المالية لديهم. وإذا أضفنا طبقة من التلعيب على الخدمات المصرفية المفتوحة، فقد نجد احتمالًا حقيقيًّا لدى الأفراد الذين يمتلكون حسابات مصرفية ولكنهم لا يستفيدون من الخدمات المصرفية، وتشجيعهم على استخدام الخدمات والمنتجات المالية.
تحقيق الشمول المالي التام مسألة وقت فقط
نعم، الشمول المالي التام لم يصبح حقيقة بعد، ولكننا قطعنا مسافة كبيرة في وقت قصير جدًّا. ويعود الكثير من الفضل في ذلك إلى التكنولوجيا المتقدمة والأدوات الرقمية. لقد ساهم الانتشار المتسارع للهواتف الذكية، إلى جانب انتشار الإنترنت، واتصالات الهاتف المحمول في تسريع عملية تبني الحلول المصرفية الرقمية.
أما الآن، ومع النقلة النوعية التي حصلت في الخدمات المصرفية والمالية المستندة إلى الخدمات المصرفية المفتوحة، فإن الشمول المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينتظره مستقبل مشرق! وتتربع كل من المملكة العربية السعودية والبحرين في المنطقة على رأس الدول المنفذة للخدمات المصرفية المفتوحة، ونجد الإمارات العربية المتحدة في إثرهما. سنشهد تسارعًا في وتيرة انتشار الشمول المالي نتيجة اعتماد الاقتصادات الأخرى للخدمات المصرفية المفتوحة والتمويل المفتوح.
تطوير الشمول المالي بالاعتماد على عملية التحقق من الدخل
إننا، بصفتنا منصة رائدة في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، نمتلك رؤية واضحة لمستقبل القطاع المصرفي، ويمكننا القول بثقة إن الوقت هو العامل الوحيد الذي يفصلنا عن انتشار الشمول المالي في المنطقة.
يمكنكم أن تكونوا طرفًا فاعلًا في هذه العملية الإيجابية، وذلك من خلال تمكين أدواتكم المالية بالاعتماد على عملية التحقق من الدخل المستندة إلى الخدمات المصرفية المفتوحة، التي تتيح لكم:
- تبسيط عملية طلب الائتمان.
- زيادة الإيرادات.
- تمكين القرارات الائتمانية الأفضل.
[1]المؤشر العالمي للشمول المالي الصادر عن البنك الدولي في العام 2021
Parameters: ‘UAE’ & ‘Saudi Arabia’. ‘Account Ownership’, ‘Borrowed Any Money’, ‘Borrowed Money from a Formal Institution’. 2021.